عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

ما يكون خلال المطر كأنه غبار. وقد يعبّر به عن المطر. والوديقة : ما تبدو كالهباء عند شدّة الحرّ. ودقت الدابّة واستودقت ، وأتان وديق وودوق : اشتهت الفحل. وذلك على التّشبيه لما ظهر من رطوبة الفرج عند إرادة الفحل.

والمودق : المكان النازل منه الودق. وقول الشاعر (١) : [من الطويل]

تعفّي بذيل المرط إذ جئت مودقي

استعارة وتشبيه لموطىء القدم بأثر المطر. وفي حديث إغراق فرعون : «فتمثّل له جبريل على فرس وديق» (٢) أي مشتهية للفحل كما مرّ ؛ وذلك أنّ فرعون كان راكبا حصانا فتبع الرمكة (٣) في البحر.

و د ي :

قوله تعالى : (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ)(٤) الوادي اسم فاعل من ودى يدي : إذا سال وديا ، فهو واد. ثم أطلق على المكان الذي يجتمع فيه الماء ويسيل. فالوادي هو الماء ، وسمّي مكانه باسمه مجازا للمجاورة ، عكس تسميتهم الماء باسم مكانه في قولهم : نهر ، كما تقدّم تقريره. وقيل : الوادي : المفرج بين الجبلين الذي يسيل فيه الماء. ثم أطلق على كلّ مفرج بين جبلين وإن لم يسل فيه ماء. وعلى كلّ ما يسيل فيه الماء وإن لم يكن مفرجا بين الجبلين اتّساعا. ويجمع على أودية ، وليس بقياس ، ولكنّه فصح استعمالا لقوله تعالى :

__________________

(١) عجز لامرىء القيس كما في الديوان : ١١٨ ، وصدره :

دخلت على بيضاء جمّ عظامها

جم عظامها : ناعمة لا نتوء لعظامها. تعفي : تزيل. المودق : المسك كما في الديوان ، والشاهد هنا على أن معناها : الموضع. المرط : لباس النساء.

(٢) النهاية : ٥ / ١٦٨.

(٣) الرمكة : الفرس أو البرذونة تتخذ للنسل.

(٤) ١٢ / طه : ٢٠.

٣٤١

(فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ)(١) وذلك نحو : ناد وأندية ، وناج وأنجية. وقد جمع على ودّاء أيضا قاله جرير وأنشد (٢) : [من الوافر]

غرفت ببرقة الودّاء رسما

محيلا طال عهدك من رسوم

ويعبّر بالوادي عن المذهب والطريقة ؛ ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ)(٣) أي في فنون الكلام من مقال في مدح وهجو وغزل ونسيب. وما أحسن قوله : (يَهِيمُونَ) مع قوله : / (فِي كُلِّ وادٍ). ومنه قوله : أنا في واد وأنت في واد. وتقول العلماء : هما من واد واحد. وكنّي عن ماء الفحل عند المداعبة وعند البول بالودي ، فيقال : أودى نحو أمذى وأمنى. وأوداه : أهلكه ، تصوّرا أنه أسال دمه ، وأنشد : [من الكامل]

أودى بنيّ وأودعوني حسرة

عند الرّقاد وعيره ما تقلع

وسمّيت دية القتيل لهلاك صاحبها. ثم تطلق الدّية على المال المعطى من إبل ودنانير ونحوهما ، فيقال : وديت القتيل دية ، أي أعطيت ديته. قوله : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ)(٤) وإنّما توصف بذلك الأموال. والوديّ : صغار الفسيل ، أي النّخل ، واحده ودية من ذلك. قيل : اعتبارا بسيلانه في الطّول. ومن كلام أبي هريرة : «لم يكن يشغلني عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم غرس الوديّ» (٥) أي كنت ملازمه بخلاف غرس من يشتغل عنه.

__________________

(١) ١٧ / الرعد : ١٣.

(٢) ديوان جرير : ٤٩٤ ، وهو مطلع في هجاء الأخطل. الوداء : واد أعلاه لبني العدوية والتيم وأسفله لبني كليب وضبة.

(٣) ٢٢٥ / الشعراء : ٢٦.

(٤) ٩٢ / النساء : ٤.

(٥) النهاية : ٥ / ١٧٠. لعله يريد : بخلاف صاحب غرس يشتغل عنه.

٣٤٢

فصل الواو والذال

و ذ ر :

قوله تعالى : (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١) أي يتركهم. ولم يستعمل منه ماض ولا مصدر. وقد سمع الوذر مصدرا ، وهو شاذّ كالورع. وقيل : أصل ذلك من القذف. يقال : فلان يذر الشيء ، أي يقذفه لقلّة اعتداده به. فمعنى قوله تعالى : (ثُمَّ ذَرْهُمْ)(٢) أي اقذفهم وألقهم واتركّهم فلا اعتداد بهم وعدم مبالاة. ومن ذلك الوذرة : وهي قطعة لحم صغيرة سميت بذلك لقلّة الاعتداد بها ، والجمع وذر. ومنه أنّ رجلا رفع إلى عثمان رضي الله تعالى عنه قال لآخر : «يابن شامّة الوذر» (٣) قال أبو عبيدة : هي كلمة معناها القذف ، وإنّما أراد : يابن شامّة المذاكير ، كنّى بذلك عن الكمرات ، أي أنها تشمّ كمرا مختلفة. والوذرة والمذرة (٤) بمعنى واحد. وفي الحديث : «فأتينا بثريدة كثيرة الوذر» (٥) أي قطع اللحم. وفي حديث أمّ زرع : «فإني أخاف ألّا أذره» (٦) قال أحمد بن عبيد : معناه أخاف ألّا أقدر على فراقه لأنّ لي منه أولادا. وقال يعقوب : معناه : ألّا أذر صفته ولا أقطعها من طولها ، والله أعلم.

فصل الواو والراء

و ر ث :

قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ)(٧) أي تنتقل إلينا بما عليها ممّا كان بأيدي الناس. وهذا على ما يتفاهمونه. وإلا فالباري تعالى لم يزل ملكوت السماوات والأرض

__________________

(١) ١٨٦ / الأعراف : ٧. يعمهون : يعمون عن الرشد أو يتحيّرون.

(٢) ٩١ / الأنعام : ٦.

(٣) النهاية : ٥ / ١٧٠.

(٤) في الأصل : والقذرة ، ولعلها كما ذكرنا ، من الحديث : «شر النساء الوذرة المذرة».

(٥) النهاية : ٥ / ١٧٠.

(٦) المصدر السابق.

(٧) ٤٠ / مريم : ١٩.

٣٤٣

بيده. قال بعضهم : وصف الله تعالى نفسه بأنه الوارث من حيث إنّ الأشياء كلّها صائرة إليه. وقد روي أنه ينادي مناد : لمن الملك اليوم؟ فيجاب بأنّه لله الواحد القهار ، كما صرّحت به الآية الكريمة.

وأصل الوراثة انتقال قنية إليك من غيرك ، من غير عقد ولا جار مجرى العقد. ثم تطلق الوراثة والإرث على نفس المال المنتقل عن الميّت ، ويقال لها ميراث وإرث وتراث ، كقوله تعالى : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا)(١) وأصله وراث ، فأبدلت الواو تاء على حدّ إبدالها منها (في تخمة) (٢) وتكأة. والإرث : الأصل ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اثبتوا على مشاعركم فإنّه على إرث أبيكم» (٣). ومنه قول الشاعر (٤) : [من المتقارب]

فينظر في صحف كالرّبا

ط فيهنّ إرث كتاب محي

ويتعدّى ورث بنفسه لواحد ، فإذا دخلت عليه الهمزة أكسبته آخر ؛ قال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)(٥). وقال تعالى : (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ)(٦). ويعبّر بالإرث عن حصول الأشياء بلا تعب. ويقال لكلّ من خوّل شيئا مهنّئا أورث ، وما وصل إليه إرث. قال تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا)(٧). وقيل : إنّ تلك المنازل كانت لقوم من الكفّار ، فأورثها الله الأتقياء لسبق الشّقاوة لأولئك والسّعادة لهؤلاء. وقد ورد في ذلك حديث.

والإرث قد يكون بمعنى البقاء ، ومنه الحديث : «متّعني بسمعي وبصري واجعله الوارث منّي» (٨) أي الباقي. وقال ابن شميل : أي أبقهما معي حتى أموت. ونقل الهرويّ

__________________

(١) ١٩ / الفجر : ٨٩.

(٢) ما بين قوسين ساقط من ح.

(٣) المفردات : ٥١٨ ، وفيه : «... فإنكم».

(٤) المصدر السابق.

(٥) ١٦ / النمل : ٢٧.

(٦) ٥٩ / الشعراء : ٢٦.

(٧) ٦٣ / مريم : ١٩.

(٨) النهاية : ٥ / ١٧٢.

٣٤٤

عن غيره : إنه أراد بالسّمع وعي ما يسمع والعمل به ، وبالبصر الاعتبار بما يرى من صفاته جلّ وعزّ. الوارث هو الباقي بعد فناء خلقه. فيجوز أنّه أراد بقاء السمع والبصر وقوّتهما عند الكبر وانحلال القوى النّفسانية ، ويكون السّمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها. وردّ الهاء إلى الإمتاع ، ولذلك وحّدها بمعنى أنّه أعاد الضّمير مفردا وإن تقدّم شيئان اعتبارا بالمصدر المدلول عليه الفعل.

قوله تعالى : (وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(١) أي يرث العلم والنّبوّة ؛ تمنّى بقاء العلم والنبوّة في عقبه ؛ فإنّ الأنبياء لا يورّثونه (٢) ، إنّما يورّثون العلم ، لأنّهم لا يعرفون به (٣) ولا يقتنونه إلا بقدر ما تدفع الحاجة ، ولا يتنافسون فيه بل ينهون عن الاستكثار منه ، وعن الاشتغال به عمّا الإنسان بصدده من الأمور الأخرويّة ، ويزهدون في الدّنيا ويرغبون في الآخرة. فكيف يتمنّون أن يورثوا غيرهم ذلك؟ وقد قال عليه الصلاة والسّلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة» (٤). وقوله عليه الصلاة والسّلام : «العلماء ورثة الأنبياء» (٥) إشارة إلى ما يورّثونه من العلم ، والتقدير عليه والأمر به دون إحداث شريعة أخرى. وفي قوله : «الأنبياء» دقيقة ، وذلك أنّ شأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقرّر شريعة من تقدّمه من الرسل ، ويحمل الناس عليها من غير تشريع جديد بخلاف الرّسول فإنه يأتي بشريعة أخرى غير التي كانت لمن قبله. فلذلك قال «ورثة الأنبياء» ولم يقل : «ورثة الرّسل» فإنّ كلّ رسول نبيّ من غير عكس.

وقال عليه الصلاة والسّلام لابن عمّه عليّ : «أنت أخي ووارثي. قال : وما أرثك؟ قال : ما ورّثت الأنبياء قبلي ؛ كتاب الله وسنّتي» (٦) وناهيك بهاتين المنقبتين لأمير المؤمنين لو لم يكن غيرهما لكفتاه فخرا. قوله : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٧) أي يتمكّنون

__________________

(١) ٦ / مريم : ١٩.

(٢) يريد : لا يورثون المال.

(٣) وفي س : لا يعنون به.

(٤) رواه الإمام أحمد بن حنبل : ٢ ، ٤٦٣ ، والبخاري في الخمس : ١.

(٥) المفردات : ٥١٩.

(٦) المصدر السابق.

(٧) ١٠٥ / الأنبياء : ٢١.

٣٤٥

فيها فيكونون كما أخبر عنهم (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ)(١) لأنّهم يتكبّرون على أهلها ويرثون عنهم أموالها وخراجها ، ويضيّقون عليهم مسالكها ومساكنها ، ويخيفون سبلها. قال بعضهم في هذه الآية : الوراثة الحقيقية أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه ولا فيه تبعة ولا عليه محاسبة. وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئا من الدنيا إلا بقدر ما يجب ، وعلى الوجه الذي يجب. ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليه ولا يعاقب ، بل يكون ذلك عفوا صفوا. كما روي : «من حاسب نفسه في الدّنيا لم يحاسبه الله في الآخرة».

و ر د :

قوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ)(٢). أصل الورود قصد الماء ، ثم يستعمل في غيره اتّساعا. قال تعالى : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ)(٣). وقال : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)(٤). والورود : الماء المرشّح للورود. وقيل في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) أي حاضرها وإن لم يشرع فيها. وقيل : يقتضي ذلك الشّروع إلا أنّه من كان من الأولياء لا يؤثّر فيه ، بل يكون حاله في الآخرة كحال خليل الرحمن في الدّنيا حيث ألقي في النار. قال ابن عرفة : الورد عند العرب موافاة المكان قبل دخوله. وقد يكون الورود دخولا. قال : ويؤيد كونه ليس بدخول حديث عائشة. وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٥). وقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أي بلغه. وأنشد لزهير بن أبي سلمى (٦) : [من الطويل]

فلمّا وردن الماء زرقا جمامه

وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم

قوله : (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)(٧) الورد هو الماء الذي يورد ، ويكون للإبل

__________________

(١) ٤١ / الحج : ٢٢.

(٢) ٢٣ / القصص : ٢٨.

(٣) ٩٨ / هود : ١١.

(٤) ٧١ / مريم : ١٩.

(٥) ١٠١ / الأنبياء : ٢١.

(٦) شعر زهير : ١٣. زرقا جمامه : صاف. الجمام : جمع جمة وهو ما اجتمع من الماء.

(٧) ٩٨ / هود : ١١.

٣٤٦

الواردة ، ويكون لحمّى تجيء كلّ وقت ، ولجزء من القرآن يجعله القارىء له ، ولعبادة موظفة له ، كلّ ذلك يسمّى وردا على الاتساع. قوله تعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً)(١). قال الأزهريّ : مشاة عطاشا كالإبل التي ترد الماء. وقال ابن عرفة : الورد : القوم يردون الماء ، فسمي العطاش وردا لطلبهم ورود الماء ، كقولهم : قوم صوم ورود ، يعني أنه من باب وقوع المصدر على العين ، فلذلك وحّد ، وفيه نظر لعدم ظهور المصدريّة فيه ، بل هو اسم جمع كما تقدّم.

قوله تعالى : (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ)(٢) هو الذي يتقدّم القوم ليستقي لهم الماء. وشعر وارد ، أي بلغ العجز أو المتن. قوله تعالى : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ)(٣) أي صارت حمراء ، قال ابن عرفة : سمعت أحمد بن يحيى ـ يعني ثعلبا ـ يقول : هي المهرة تنقلب حمراء بعد أن كانت صفراء. والورد الأحمر. وأنشد الفرزدق يصف الأسد (٤) :

ألقى عليه يديه ذو قوميّة

ورد يدقّ مجامع الأوصال

وقال الأزهريّ : كلون الورد تتلوّن ألوانا يوم الفزع الأكبر كتلوّن الدّهان المختلفة. والدّهان : جمع دهن ، وقد تقدّم. والورد : الذي يشمّ ، معروف ، قيل : سمّي لكونه أول ما يرد من ثمار السنة ، قاله الراغب (٥). وفي تسميته ثمرا نظر ظاهر. ويقال لنور كلّ (٦) شجر ورد. وورّد الشّجر تورّدا وتوريدا. أخرج نوره. وبه شبّه لون الفرس.

قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٧) هو عرق مستبطن متّصل بالكبد والقلب ، وفيه مجاري الروح. وقيل : هما وريدان يستبطنان العنق ينتبضان أبدا. قال : وكلّ عرق ينبض فهو من الأوراد. والمراد في الأصل طرق الماء ، الواحد ـ وردة بالتاء ـ وقد ينطلق

__________________

(١) ٨٦ / مريم : ١٩.

(٢) ١٩ / يوسف : ١٢.

(٣) ٣٧ / الرحمن : ٥٥.

(٤) الديوان : ٧٢٩ ، ويروى : فدق. ذو قومية : ذو قوة وبأس.

(٥) المفردات : ٥٢٠.

(٦) وفي الأصل : لكل نور ، ولعله كما ذكرنا.

(٧) ١٦ / ق : ٥٠.

٣٤٧

على الشوارع. ومنه الحديث : «اتّقوا البراز في الموارد» (١) يعني الطرق ؛ نهاهم عن التخلّي فيها ، كما نهاهم عنه في النادي وغيره ممّا في معناه.

و ر ق :

قوله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)(٢) قيل : هو ورق التّين. ويزعمون أنّ هذه التفاريج التي فيه لمكان أصابعهما ، فالله أعلم. والورق : ما أخرجه الشجر غير الثمر ، والجمع أوراق ، وبه شبّه ما يكتب فيه فقيل فيه ورق (٣). ويعبّر عن المال الكثير تشبيها له بالورق في الكثرة نحو قولهم : مال كالتّراب والثّرى (٤) والسّيل. قال الشاعر (٥) : [من الرجز]

إليك تبت فتقبّل ملقي

فاغفر خطاياي وثمّر ورقي

كذا أنشده الراغب (٦) والظاهر ما أنشده غيره بكسر الراء ، يعني به الدّراهم. ويقال : أورق فلان ، أي أخفق. كأنّه صار ذا ورق بلا ثمر. ألا ترى أنّه عبّر عن المال بالثمر في قوله : (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ)(٧). قال ابن عباس : هو المال. قلت : وعلى هذا يكون قولهم : أورق فلان ، تحتمل الغنى والفقر ، كما قالوا : أترب ، أي صار ماله كالتراب. وقيل : لصق جلده بالتراب ، وصار ذا تراب. والقولان منقولان أيضا في قوله : (تربت يداك) (٨) أي لصقت بالتراب ، أوصار مالهما كالتراب.

قوله : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ)(٩) وقرىء بسكون الراء ، وبكسر الواو مع سكون

__________________

(١) النهاية : ٥ / ١٧٣.

(٢) ٢٢ / الأعراف : ٧.

(٣) كلمة ورق فارسية الأصل من برك ، ومعناها ورق الشجر. أما ورق الكتابة عندهم فيدعى : كاغد.

(٤) الكلمة ساقطة من س.

(٥) البيت للعجاج (الديوان : ١ / ١٧٨). وفيه : إياك أدعو ، وكذا في اللسان وتهذيب إصلاح المنطق.

(٦) المفردات : ٥٢٠ ، وقد ذكر العجز.

(٧) ٣٤ / الكهف : ١٨.

(٨) رواه البخاري في النكاح : ١٥.

(٩) ١٩ / الكهف : ١٨.

٣٤٨

الراء ، وذلك نحو : كبد وكبد وكبد ، وهي الدّراهم (١). وجاء في التفسير أنّهم إنّما عرفوهم لأنّ صاحبهم أخرج دينارا عليه اسم ملكهم فاتّهموه ، وفيه نظر لقوله : (بِوَرِقِكُمْ). والرّقة : الدّراهم ؛ وفي الحديث : «في الرّقة ربع العشر» (٢) ، ومن أمثالهم : «وجدان الرّقين يغطّي أفن الأفين» (٣) أي الغنى يغطّي الحمق. وفي الحديث : «إن جاءت به أورق» (٤) الأورق : الأسمر ، ومنه الورقة للسّواد. وقيل للرماد أورق ، وحمامة ورقاء ؛ كلّه من السّواد.

وورقان : جبل بعينه ، وفي الحديث : «سنّ الكافر مثل ورقان» (٥) كما جاء في آخر : «مثل أحد» يعني في النار.

و ر ي :

قوله تعالى : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً)(٦) أقسم بالخيل في الجهاد ، لأنّها إذا عدت أصابت سنابكها الحجارة ، فتوري منها النار كفعل القادح للزّناد. يقال : وري (٧) الزّند. ووري ـ بكسر الراء وفتحها ـ يري فيهما. وأورى : إذا قدح. ويقال : إنه لواري الزّناد. رفيع العماد ، طويل النّجاد. وقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ)(٨). ويقال : قدح فأورى وأثقب : إذا ظفر بحاجته. وفي ضدّه : قدح فأكبى. وأصله على الاستعارة من ورى الزّناد. وأنشد لجرير يهجو الفرزدق (٩) : [من المتقارب]

وعرق الفرزدق شرّ العروق

خبيث الثّرى كابي الأزند

__________________

(١) قرأها عاصم والأعمش بسكون الراء «بورقكم» (معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٣٧). وقرأها بكسر الواو والإدغام ابن محيصن (ابن خالويه في مختصر الشواذ : ٧٩).

(٢) النهاية : ٢ / ٢٥٤. وأصل الرقة الورق فحذفت الواو وعوّض منها الهاء.

(٣) المستقصى : ٢ / ٣٧٢.

(٤) النهاية : ٥ / ١٧٥ ، من حديث الملاعنة.

(٥) وكذا رواه الهروي ، وعند ابن الأثير : «ضرس ..» النهاية : ٥ / ١٧٦. وورقان : بوزن قطران جبل أسود على يمين المار من مكة إلى المدينة.

(٦) ٢ / العاديات : ١٠٠.

(٧) وفي ح : فترى.

(٨) ٧١ / الواقعة : ٥٦.

(٩) ديوان جرير : ١٢٩. الثرى : الندى الذي فيه العروق من الشجر.

٣٤٩

قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ)(١) هي فوعلة من ذلك ، لأنّها ضياء ونور ، فأبدلت الواو تاء على حدّ إبدالها في تولج وتيقور. وقد حقّقت ذلك فيما تقدّم. قوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ)(٢) قيل : هو هنا بمعنى أمامهم ، كذا في التفسير. ومثله قوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ)(٣) قال ابن عرفة : كيف قال : من ورائهم وهو أمامهم؟ فزعم أبو عبيدة وأبو عليّ قطرب أنّ هذا من الأضداد. وهذا غير محصّل لأنّ أمام ضدّ وراء ، وإنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات ؛ يقول الرجل إذا وعد وعدا لرمضان في رجب ثم قال : من ورائك شعبان ، لجاز وإن كان أمامه لأنه مخلفه إلى وقت وعده ، وأنشد قول لبيد (٤) : [من الطويل]

أليس ورائي إن تراخت منيّتي

لزوم العصا تحنى عليها الأصابع؟

قلت : قوله : إنّما يصلح هذا في الأماكن والأوقات ، فيه نظر لأنّ وراء ظرف مكان ليس إلا. وقال الأزهريّ في قوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ)(٥) وراء بمعنى خلف وقدّام. ومعناه ما توارى عنك واستتر. وأنشد للنابغة (٦) : [من الطويل]

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

أي بعد الله.

قوله : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ)(٧) أي سواه ؛ قاله الفرّاء. قلت : كأنّ الأزهريّ جعله متواطئا ، وغيره جعله مشتركا اشتراكا لفظيا لقوله : من الأضداد. (فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي)(٨) أي أسترها. وكذا قوله : (يُوارِي سَوْآتِكُمْ)(٩). ومثله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(١٠).

__________________

(١) ٣ / آل عمران : ٣.

(٢) ٧٩ / الكهف : ١٨.

(٣) ٢٠ / البروج : ٨٥.

(٤) الديوان : ١٧٠ ، وذكر الشارح أن وراء هنا في معنى قدام.

(٥) ١٦ / إبراهيم : ١٤.

(٦) الديوان : ٧٦. المذهب : المهرب.

(٧) ٩١ / البقرة : ٢.

(٨) ٣١ / المائدة : ٥.

(٩) ٢٦ / الأعراف : ٧.

(١٠) ٣٢ / ص : ٣٨.

٣٥٠

والتّورية : أن تظهر شيئا وتريد غيره ، كأنّه يظهر جزءا ويستر آخر. وفي الحديث : «إذا أراد غزوا ورّى بغيره» (١). قال بعضهم : ستر ووهم غيره. وأصله من الوراء ، أي ألقى السّتر وراء ظهره.

والورى : الناس. قال الخليل : الورى : الأنام الذين على وجه الأرض ، ليس من مضى ولا من يتناسل بعدهم ، فكأنّهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم. والوري : بسكون الراء (٢) يقال : وري يورى (٣). وفي الحديث : «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا» (٤) وأنشد قول الشاعر (٥) : [من الرجز]

قالت له وريا إذا تنحنح

يا ليته يسقى على الذّرحرح

وفي الحديث : «وفي الشّويّ الوريّ السّمين» (٦) فعيل بمعنى فاعل. وأنشد للعجاج (٧) : [من الرجز]

وانهمّ هاموم السّديف الواري

عن جرز منه وجوز عاري

وجاءت امرأة جليلة لعمر رضي الله عنه فحسرت عن ذراعيها فإذا كدوح. قال : ما هذا؟ قالت : من احتراش الضّباب. قال : «لو أخذت الضّبّ فورّيته» (٨). قال شمر : أي روّغته في الدّسم. ومن كلام عليّ رضي الله تعالى عنه في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حتى أورى قبسا» (٩) أي أظهر نورا من الحقّ.

__________________

(١) النهاية : ٥ / ١٧٧.

(٢) الوري : الداء ، ولم يذكره السمين ، وشاهده الحديث بعده.

(٣) وفي الأصل : يرى. وأثبتنا الضبط من اللسان والنهاية.

(٤) النهاية : ٥ / ١٧٨.

(٥) ورد عجزه في التاج واللسان ـ مادة وري. والمعنى : تدعو عليه بالوري. وفيهما : تنحنحا. وذكره ابن منظور كاملا في ـ ذرح. والذرحرح : السم.

(٦) النهاية : ٥ / ١٧٩.

(٧) اللسان ـ مادة وري.

(٨) النهاية : ٥ / ١٧٩.

(٩) المصدر السابق.

٣٥١

فصل الواو والزاي

و ز ر :

قوله تعالى : (كَلَّا لا وَزَرَ)(١) الوزر : الملجأ. قال الشاعر (٢) : [من الطويل]

تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا

فالوزر : ما لجأت إليه من جبل وحصن ونحوهما. والوزر : الذّنب ؛ سمي بذلك تشبيها بالجبل في ثقله لأنّه يثقل صاحبه. قوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(٣) كقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)(٤). وقيل : معناه لم يجعل لك وزرا أصلا. قوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ)(٥) كقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ)(٦). قال بعضهم : وحمل وزر الغير في الحقيقة هو على نحو ما أشار إليه عليه الصلاة والسّلام بقوله : «ومن سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها» (٧) وإلا فنفس وزر الغير غير آخر. وهذا يوضّح عدم المباينة بين هذه الأمّة ونحوها وبين قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٨) ونحوه. والهاء في قوله : (وازِرَةٌ) قيل : لتأنيث النّفس ، والتقدير : نفس وازرة. وقيل : للمبالغة كراوية ، والمعنى : لا تؤخذ نفس وازرة بذنب أخرى.

وأصل الوزر : الحمل ؛ يقال : وزر يزر ، أي حمل دينا أو شيئا ثقيلا. ومنه : (أَلا ساءَ

__________________

(١) ١١ / القيامة : ٧٥.

(٢) من شواهد النحو التي لم يعرف قائلها. ذكره ابن عقيل في شرحه : ١ / ٢٦٩ ، والسيوطي في شرح شواهد المغني : ٢ / ٦١٢.

(٣) ٢ / الشرح : ٩٤.

(٤) ٢ / الفتح : ٤٨.

(٥) ٢٥ / النحل : ١٦.

(٦) ١٣ / العنكبوت : ٢٩.

(٧) ذكره الراغب كاملا ، المفردات : ٥٢١.

(٨) ١٦٤ / الأنعام : ٦.

٣٥٢

ما يَزِرُونَ)(١). قوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً)(٢) أي معينا. والوزير : فعيل بمعنى مفاعل كالجليس والخليط بمعنى المجالس والمخالط. سمي بذلك لمعاونته الملك. وقيل : لأنّه يحمل أثقال الملك وأعباءه. وقيل : لتحمّله أوزار الملك. وقيل : لأنّه ملجأ لقاصديه. وقيل هو مأخوذ من الأزر ، أي القوة من قوله : (فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ)(٣). ومنه : لأنصرنّك نصرا مؤزّرا ، أي مقوّى. فيجوز أن يكون أبدلت الواو من الهمزة ، وأن تكون العين نحو أوجب ووجب ، وأكّدت ووكّدت. قوله : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)(٤) أي آلاتها كقول الشاعر (٥) : [من المتقارب]

وأعددت للحرب أوزارها

رماحا طوالا وخيلا ذكورا

قوله : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ)(٦) سمّوها أوزارا لأنّها أحمال ثقال. ولذلك إنّه لّما غرق فرعون ألقاهم البحر بشاطئيه وعليهم حليهم ، فأخذها بنو إسرائيل ، وصاغوا منها العجل.

و ز ع :

قوله تعالى : (فَهُمْ يُوزَعُونَ)(٧) أي يكفّون عن بعضهم. وفي التفسير : يحبس أوّلهم على آخرهم. وفي ذلك إشارة حسنة إلى أنّهم مع كثرتهم وخروجهم عن الجمع المعتاد في الجيوش وحواشي الملوك وخدمهم ليسوا مهملين متروكين عند من يزعهم ، أي يكفّهم ، بل هم مقموعون مسوسون تحت قهر سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع انتشارهم وخروجهم عن حدّ الكثرة في تباين أجناسهم وأنواعهم. يقال : وزع يزع وزعا فهو وازع ، والجمع وزعة.

ولمّا ولي الحسن القضاء قال : «لا بدّ للناس من وزعة» (٨) أي من أعوان يمنعون من

__________________

(١) ٣١ / الأنعام : ٦.

(٢) ٢٩ / طه : ٢٠.

(٣) ٢٩ / الفتح : ٤٨.

(٤) ٤ / محمد : ٤٧.

(٥) ديوان الأعشى : ٩٩. أوزار الحرب : عدّتها.

(٦) ٨٧ / طه : ٢٠.

(٧) ١٧ / النمل : ٢٧ ، وغيرها.

(٨) النهاية : ٥ / ١٨٠.

٣٥٣

تظالم الناس بعضهم لبعض ، أو يمنعونهم من هجومهم على ولاة الأمور في وقت لا ينبغي. وفي حديث جابر لمّا قتل أبوه قال : «فأردت أن أكشف عن وجهه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينظر إليّ فلا يزعني» (١) أي فلا يؤخّرني ولا يكفّني عن ذلك.

قوله : (رَبِّ أَوْزِعْنِي)(٢) أي ألهمني ، كذا جاء في التفسير. قال بعضهم : وتحقيقه والمعنى بذلك : اجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران. قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ)(٣) هذا على سبيل العقوبة ، أي محتبسون للعقاب ، وهو وزان قوله تعالى : (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها)(٤).

والوزوع : الولوع بالشيء ومحبته ؛ يقال : رجل وزوع ولوع. وانوزع بكذا : أولع به. ومنه الحديث : «كان موزعا بالسّواك» (٥). والأوزاع : الفرق ، ومنه «أنّ عمر خرج في رمضان والناس أوزاع» (٦) ، أي فرق يتنفّلون (٧). والوزع : الارتعاش ، ومنه أنّ الحكم بن أبي العباس ـ قبّحه الله ـ حاكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خلفه ، فلما علم قال : «كذا فليكن» فأصابه وزع مكانه ، ولعذاب الآخرة أشقّ.

و ز ن :

قوله تعالى : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ)(٨) قال مجاهد : الوزن : القضاء بالعدل. قال السّريّ : توزن الأعمال. وقد اختلف المتأوّلون في ذلك ؛ فقال بعضهم : هذا عبارة عن القضاء بالحقّ وعدم الظّلم. وعبّر بذلك لأنّ الناس يتعارفون أنّ الوزن أعدل شيء. والحقّ

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) ١٩ / النمل : ٢٧ ، وغيرها.

(٣) ٨٣ / النمل : ٢٧.

(٤) ٢١ و ٢٢ / الحج : ٢٢.

(٥) النهاية : ٥ / ١٨١.

(٦) المصدر السابق.

(٧) أراد أنهم متفرقون بعد صلاة العشاء.

(٨) ٨ / الأعراف : ٧.

٣٥٤

أنّ ذلك على حقيقته. وفي الحديث الصحيح ما يؤيّده كحديث النّظافة وغيرها. وأنّ له كفّتين ولسانا.

والوزن في الأصل معرفة قدر الشيء بهذه الآلة الخاصّة. يقال : وزنت (١) زيدا كذا ، ووزنت له وزنا وزنة ، نحو : وعدا وعدة. قوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ)(٢) في أحد القولين. وقيل ؛ الوزن : التقدير ، ومنه قوله تعالى : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)(٣) أي مقدّر. ومنه : «نهى عن بيع الثّمار حتّى توزن» (٤) أي تقدّر في الخرص. وذلك أنّ الخارص يحزر كم قدرها ، فيكون كالوزن لها. وقيل : موزون كالمعادن / نحو الذهب والفضة والنحاس والرّصاص. وقيل : هو إشارة إلى كلّ ما أوجده تعالى وخلقه ، وإنه خلقه باعتدال كقوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)(٥). قوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ)(٦) قيل : هو حقيقة وهو الصّحيح ، وقيل : عبارة عن عدله ، وقد تقدّم. ووصفها بالقسط وهو مفرد لكونه في الأصل مصدرا ، وفي موضع : أتى بالميزان مفردا اعتبارا بالمحاسب ، وفي مواضع بالجمع إعتبارا بالمحاسبين.

وأصل الميزان واو فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. ولذلك لمّا تحركت في الجمع وزالت الكسرة قبلها رجعت إلى أصلها نحو ميقات ومواقيت ، وميعاد ومواعيد. ويقال : ما لفلان عندي وزن ، أي قدر لخسّته. ومنه : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)(٧). قوله : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ)(٨) أي العدل. وعبّر بالميزان لما تقدّم من أنّه أظهر الآلات في ذلك. وأنشد بعضهم للشيخ تقيّ الدين القشيريّ بن دقيق العيد رحمه‌الله تعالى : [من الكامل]

__________________

(١) وفي الأصل : قريت.

(٢) ٣ / المطففين : ٨٣.

(٣) ١٩ / الحجر : ١٥.

(٤) النهاية : ٥ / ١٨٢ ، وفيه : «... قبل أن توزن».

(٥) ٤٩ / القدر : ٥٤.

(٦) ٤٧ / الأنبياء : ٢١.

(٧) ١٠٥ / الكهف : ١٨.

(٨) ٧ / الرحمن : ٥٥.

٣٥٥

والدّهر كالميزان يرفع ناقصا

أبدا ويخفض عالي المقدار

وإذا انتحى الإنصاف ساوى وزنه

في العدل بين حديدة ونضار (١)

فصل الواو والسين

و س ط :

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(٢) أي خيارا ، وذلك أنّ الوسط يحمى بالأطراف. ومنه قول الشاعر : [من البسيط]

كانت هي الوسط المحميّ فانكشفت

بها الحوادث حتى أصبحت طرقا

ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ)(٣) يعني طريقة ، أي أعدلهم وخيارهم. يقال : هو واسط قومه ووسطهم. وقد وسط وساطة وسطة. وقال الراغب (٤) : والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان ، كالجود الذي بين البخل والسّرف ، فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتّفريط ، فيمدح به نحو السواء والعدل نحو قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، وعلى ذلك : (قالَ أَوْسَطُهُمْ). وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشرّ ، ويكنّى به عن الرّذل نحو قولهم : فلان وسط من الرجال ، تنبيه أنّه خرج من حدّ الخير. وفي هذا الأخير نظر. والوسط في الأصل ظرف مكان ، وتصرّفه قليل ، ومنه قول الشاعر (٥) : [من الخفيف]

وسطه كاليراع أو سرج المج

دل حينا يخبو ، وحينا ينير

وقال بعضهم : ما وقع موقعه (بين) كان بسكون السّين ، نحو : جلست وسط القوم ووسط الدّور. وما لم يصحّ كان بفتحها نحو : جلست وسط الدار. وقال الراغب : وسط

__________________

(١) ورد سابقا : بين نحاسة ونضار.

(٢) ١٤٣ / البقرة : ٢.

(٣) ٢٨ / القلم : ٦٨.

(٤) المفردات : ٥٢٢.

(٥) البيت لعدي بن زيد كما في اللسان ـ مادة وسط.

٣٥٦

الشيء ماله طرفان متساويا القدر. ويقال ذلك في الكميّة المتّصلة كالجسم الواحد نحو : وسطه صلب. ووسطه ـ بالسكون ـ يقال في الكمية المنفصلة كشيء يفصل بين جسمين ، نحو : وسط القوم كذا. قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(١) قيل : هي كلّ صلاة من الصلوات المكتوبة. وقيل : الجمعة. وقيل غير ذلك. ووصلها بعضهم إلى سبعة عشر قولا في تصنيف مفرد. وقد صحّ في الصّبح وفي العصر حديثان ؛ قال بعضهم : أخفى الله الصلاة ليجتهد الناس ، كإخفائه ليلة القدر وساعة الجمعة ونحو ذلك. وقد بينّا ذلك كلّه في «القول الوجيز».

و س ع :

قوله تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٢) أي واسع علمه وقدرته ورحمته. وقد صرّح بذلك في قوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(٣)(وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً)(٤) لأنّ علما تمييز منقول من الفاعلية ؛ إذ الأصل وسع علمه كلّ شيء. وقيل : معناه : وسع رزقه جميع خلقه. وقال ابن الأنباريّ : الواسع الذي يسع بما يسأل. وقيل : معناه المحيط بكلّ شيء. وقيل : هو الجواد.

والسّعة : ضدّ الضّيق. وقوله تعالى : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ)(٥) أي زيادة وكثرة ؛ فإنّ حقيقة السّعة في الأجرام الممتدّة. وقوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٦). قال الهرويّ : أي اتّسع لهما. وقيل : وسع ملكه ، فعبّر عن الملك بالكرسيّ على ما يتعارفه أهل الدنيا. والسّعة تكون في الأمكنة وهو الأصل لقوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ)(٧). وفي الفعل لقوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(٨). وفي

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل : ٥ ، ٨.

(٢) ١٤٧ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٣) ١٥٦ / الأعراف : ٧.

(٤) ٩٨ / طه : ٢٠.

(٥) ٢٤٧ / البقرة : ٢.

(٦) ٢٥٥ / البقرة : ٢.

(٧) ٥٦ / العنكبوت : ٢٩.

(٨) ١٥٦ / الأعراف : ٧.

٣٥٧

الحال لقوله : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ)(١).

قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٢). الوسع من القدرة ما يفضل عن قدرة المكلّف. وفيه تنبيه أنّه يكلّف عباده ما تنوءبه قدرتهم. وقيل : معناه (يكلفهم بما يثمر السّعة ، أي جنة واسعة ، كقوله : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(٣). وقيل : معناه) (٤) لا يكلفها إلا قدر طاقتها. وظاهرها ينفي تكليف ما لا يطاق. والمذاهب فيها قد بيّنّاها في «القول الوجيز».

قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(٥) أي أنّها مع سعتها سعة متزايدة مفرطة قوية ؛ فإنّ الأيد القوة ، وذلك أنّ من عادة الأجرام المنبسطة إذا تزايدت سعتها وامتدادها ضعفت وتداعت. وما أحسن تلك (٦) السعة مع السماوات والمهد مع الأرض! حيث كانت السماوات بقدر الأرض مرارا خارجة عن الحصر. (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)(٧). وقال الراغب (٨) : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) إشارة إلى نحو قوله : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٩) ولم أفهم الإشارة المذكورة. وفرس وساع الخطو : عبارة عن شدّة عدوها (١٠).

و س ق :

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ)(١١) الوسق : جمع الأشياء المتفرقة ، والمعنى : وما

__________________

(١) ٧ / الطلاق : ٦٥.

(٢) ٢٨٦ / البقرة : ٢.

(٣) ١٣٣ / آل عمران : ٣.

(٤) ما بين قوسين ساقط من ح.

(٥) ٤٧ و ٤٨ / الذاريات : ٥.

(٦) وفي الأصل : ذلك.

(٧) ٨٨ / الإسراء : ١٧.

(٨) المفردات : ٥٢٣.

(٩) ٥٠ / طه : ٢٠.

(١٠) وفي س : سعة عدوها.

(١١) ١٧ / الإنشقاق : ٨٤.

٣٥٨

جمع من الظلم. وقيل : ذاك عبارة عن طوارق الليل. وقال شمر : كلّ شيء حملته فقد وسقته. ومن أمثالهم : «لا أفعل ذلك ما وسقت عيني الماء» (١) أي ما حملته. وهو عبارة عن الحياة ، لأنّ العين تجمد عند الموت. وقال غيره : الوسق ضمّك الشيء إلى الشيء بعضه إلى بعض. ويقال للإبل التي تجمع من تفرقة : وسيقة ، ولجامعها واسق. وقد استوسقتها فاستوسقت. وفي الحديث : «استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم إذا أضيعوا كاجتماعها ولا تفرّقوا» (٢). وفي حديث : «ويقول : استوسقوا» (٣).

قوله : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ)(٤) هو افتعال من ذلك ، والمعنى : اجتمع ضوؤه في الليالي البيض. وقال مجاهد : استوى. وقال ابن عرفة : تتابع ليالي حتى انتهى منتهاه. وقيل : امتلأ. وهي تفاسير.

و س ل :

قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)(٥). الوسيلة : هي القرب. وقيل : الوسيلة هي التوصّل إلى الشيء الذي يرغب. فقيل : وهي أخصّ من الوصيلة ، ولتضمّنها معنى الرغبة قال تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ). وقال بعضهم : حقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحريّ مكارم الشريعة. وعلى هذا فهي مقاربة للقربة.

و س م :

قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)(٦). المتوسّمون : المعتبرون الذين يتوسّمون الأمور ، أي يتبيّنونها تبيّن من يتوسّم الشيء ، أي يتعرّفه بوسمة. توسّمت فيه خيرا ، أي تعرّفت وسمة فيه. والوسم : الكيّ بالنار في الدابّة لتعرف من غيرها. ومن ذلك الاسم

__________________

(١) اللسان ـ مادة وسق ، والمفردات : ٥٢٣.

(٢) النهاية : ٥ / ١٨٥ ، وفيه ذكر القسم الأول منه.

(٣) المصدر السابق.

(٤) ١٨ / الانشقاق : ٨٤.

(٥) ٣٥ / المائدة : ٥.

(٦) ٧٥ / الحجر : ١٥.

٣٥٩

عند بعضهم ، لأنّه علامة على مسمّاه ، وهو فاسد من جهة الاشتقاق حسبما بينّاه في غير هذا الموضع.

والتوسّم يقرب من الفراسة ، ومنه فلان كان يتوسّم من فلان ، كذا قال بعضهم. وهذا التوسّم هو الذي سمّاه القوم الزّكانة ، وقوم الفطنة ، وقوم الفراسة. قال عليه الصلاة والسّلام : «اتّقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (١).

قوله : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(٢) أي سنجعله على وجهه ـ وقيل : أنفه ـ وسما يعرف به لأنه كان شديدا في عداوة الإسلام. وقيل : هو إشارة إلى سواد الوجه ، وزرقة العين. والظاهر أنه لا بدّ لهذا الكافر الخاصّ من علامة خاصة شنعاء يفرّق بها بين أبناء جنسه. وقيل : إنّ هذا وقع في الدنيا حسبما بينّاه في التفسير. والوسامة والجمال والحسن كأنه علامة لصاحبه. ومنه وجه وسيم كأنه بمعنى موسوم ، إلا أنه خصّ بالملاحة. وقوم وسام ، نحو ظريف وظراف. والموسم : المعلم ، ومنه : مواسم الحجّ. ووسموا : شهدوا الموسم ، نحو عرفوا : شهدوا عرفة.

والوسميّ : ما يسم الأرض من المطر. وتوسّمت : تعرّفت بالسّمة ، أو طلبت الوسميّ. وفي الحديث : «بئس لعمر الله [عمل] الشيخ المتوسّم والشابّ الملوّم» (٣) يعني المتحلّي بسمة الشيوخ والمتلوّم الذي يأتي بالقبيح فيجرّ اللائمة.

و س ن :

قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)(٤) السّنة : النّعاس. وقيل : مبادىء النوم. وقيل : الغفلة والغفوة. ويدلّ على كونه من مبادىء النوم قول الشاعر (٥) : [من البسيط]

وسنان أقصده النّعاس فرنّقت

في جفنه سنة وليس بنائم

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٤٢٨. وقد جعله المؤلف حديثين ، وكرر قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) ١٦ / القلم : ٦٨.

(٣) النهاية : ٥ / ١٨٦. وفيه بعده : المتحلي بسمة الشباب.

(٤) ٢٥٥ / البقرة : ٢.

(٥) البيت لابن الرقاع كما في اللسان ـ مادة وسن. وفيه : في عينه.

٣٦٠